حساسية البحث العلمي - 11 اكتوبر 2016

صحيفة المدينة

حساسية البحث العلمي - 11 اكتوبر 2016

2021-10-14    596

أسهمَ التطعيمُ الثلاثيّ (MMR) بشكل فاعل في رفع مستوى مناعة الأطفال ضدَّ الأمراض الثلاثة الخطيرة: الحصبة (Measles)، ومرض النُّكاف (Mumps)، والحصبة الألمانية (Rubella )، وذلك بنسبة تفوق الـ٩٨٪‏.
وبعد سنواتٍ من استقرار الوسط الطبيّ على ضرورة هذا التطعيم وأهميته؛ كتب الدكتور البريطاني أندرو جيريمي ويكفيلد، الطبيب الباحث في المستشفى الملكي العام بلندن (Royal Free Hospital) في عام ١٩٩٨م بحثاً صغيراً انتهى فيه إلى وجود علاقة ترابط جزئيّ بين التطعيم الثلاثي (MMR) ومرض التوحد!
نُشرتْ هذه الدراسة في واحدةٍ من أقوى المجلات الطبية، وهي مجلة (المشرط) (The Lancet) التي تأسست سنة 1823م.
حظيتْ هذه الدراسة بصيتٍ هائلٍ، وانتشارٍ عجيبٍ، واستُشهد بها في عشراتِ الأبحاث الطبية، كما عمل عليها عددٌ كبيرٌ من الصحفيين والكتابِ، فنُشرتِ التحقيقات الصحفية، والمقالاتُ، والحواراتُ، وقد أدتْ هذه الضجة إلى امتناع عددٍ كبيرٍ من الآباء والأمهات عن تطعيم أولادهم.
ماذا كانت النتيجة؟!
ارتفعت نسبة الوفياتِ بهذه الأمراض الثلاثة بين الأطفال ارتفاعاً ملحوظاً! إضافةً إلى كمٍّ هائلٍ من الإصابات المزمنة بين الأطفال البريطانيين!
بعد ستِّ سنواتٍ من هذه الدراسة نشرتْ الصانداي تايمز سنة 2004 تحقيقاً موسعاً عن هذه الورقة البحثية للدكتور أندرو، كشف هذا التحقيق عن وجود شبهةِ تقاطع مصالح مالية، وتلاعب بالنتائج، وتبين من خلاله أن الباحثَ زوَّر نتائجه لخدمةِ مصالح جهاتٍ معينةٍ لم تقصّر في (إكرامِهِ) وإعطائه (المقابل المناسب)!
دفع هذا التحقيق العديد من الجهات الطبية الرصينة والمجموعات البحثية -من بينها مجموعة (Cochran library)- لإجراء بحوثها وتحقيقاتها، وأظهرت النتائج بصورة حتمية خلاف ما ادعاه الطبيب المذكور من وجود علاقة بين التطعيم الثلاثي ومرض التوحد لدى الأطفال.
وتم التحقيق مع الباحثِ من قِبل المجلس الطبي البريطاني، وشُطِبَ اسمه من سجلات الممارسين الطبيين، ومُنعَ من ممارسة الطب نهائياً.
وصفتْ دراسة أندرو بعد ذلك بأنها (الكذبة الطبية الأكثر دماراً منذ مئة عام).
ما أردتُ إيضاحه من هذه القضية هو التأكيد على حساسية الأبحاث العلمية، وضرورة أن يتذكَّر الباحث أن بحثه بعد نشره سيصبح مصدراً لغيره من الأبحاث، وربما ترتَّب على العمل بنتائجه والأخذ بها العديد من الآثارِ.
إنَّ الباحثَ (مؤتمنٌ)، وحين يخونُ أمانته العلمية بتزوير نتائجه، أو بسرقةِ جهودِ غيره، أو بادِّعاءِ ما ليس له، فإنه يتجرّد حينئذٍ من أخصِّ صفاتِ الباحثِ وأهمها، ويتحولُ من (رمزٍ معرفيٍّ مضيءٍ)، ومساهمٍ في تطوير البشرية، إلى (عارٍ) على المجتمعِ العلميِّ برمِّته، بل على الإنسانيةِ كلها. وجديرٌ بمن نزلَ إلى هذه الدركةِ ألا يكون له في المجتمع الأكاديميّ والعلميّ والمهنيِّ مكان. وصدق الله إذ يقول: (ولاتكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنّه آثم قلبه)، وتزوير حقائق العلم كتمٌ للشهادةِ المطلوبة من العالم.
وصدق الله إذ يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)، ومن تراثنا العربيّ العلميّ قول أحد العلماء: «من بَرَكَةِ العلم وشُكرِهِ عَزوهُ إلى قائله».
فيا أيها الباحثون.. الأمانةَ الأمانةَ نتيجةً ونقلاً.


مشاركة :